الإخوان والروح الجديدة

e010lkoooe1

بعد الانتخابات نحتاج داخل جماعة الاخوان المسلمين إلى إعادة بث الروح للأعمال وإعادة ربط وتذكير الأفراد بالأهداف المحورية سواء المستقبلية أو المرحلية للجماعة فهذا من شأنه تجديد العمل وتنشيطه

تأتى هذه المقالة للأستاذ إسماعيل حامد فى إطار هذا الباب بث الروح وتجديدها والمقالة نشرت فى موقع اخوان اون لاين وأنقلها هنا لأهميتها

﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية 87)، بهذه الكلمات وصَّى نبي الله يعقوب أبناءه، وغرس فيهم روح الأمل وعدم اليأس، بعدما فقدوا الأمل في عودة أخيهم يوسف، وأصحاب الدعوات اليوم مطالبون ببثِّ هذه الروح في النفوس.

أخي الحبيب رفيق درب دعوتنا، وحامل رسالتها وناصر فكرتها وحارس بوابتها، أحببت أن أقف مع نفسي، ومعك هذه الوقفة التربوية، نتبيَّن من خلالها صدق انتمائنا ونستبين طريقنا، مسترشدين بقول ربنا: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)﴾ (الأنعام)، وقوله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾ (الزمر)، وأبدأ هذه الوقفة ونحن نمر بهذه الظروف الصعبة علينا وعلى دعوتنا في تلك المرحلة الحرجة والحساسة في تاريخ أمتنا، ونقف مع هذه التساؤلات،

هل انتابتك وأنت على الطريق لحظات ضعف ووهن، فأصبت خلالها بخيبة أمل، أو شعرت بهزيمة مبادئك، أو أحسست بفشل خططك وبرامجك الدعوية؟ وهل أحسست يومًا بتطاول الزمان دون تحسن للواقع المعاش، ودون وصول الدعوة إلى أهدافها المنشودة؟ وهل غلبك يومًا الانطباع بجدوى الحصار الطويل، والتضييق الشديد، وتجفيف المنابع الذي تفرضه قوى الظلم والبغي على الدعوة، ونجاحه في تحقيق أهدافه؟ وهل اعتادت نفسك على إلف الأعمال الدعوية، فأصبحت تؤديها بشكلٍ روتيني كأنك موظف في مصلحة؟، هذه الأسئلة وغيرها كثير، تكشف لنا عن أعراضٍ تنذر بفقدان الروح الإخوانية، والانهزام النفسي على طريق الدعوة، ما يعني حاجتنا الملحة إلى عودة الروح من جديد إلى صفنا الإخواني، فكانت تلك الوقفة.

روح جديد

إن حديثي معك أخي الحبيب، ليس حديث تنظير وجدال عقيم، إنما هو حديث عن تلك الروح التي بثها فينا المؤسس، بقوله "ولكنكم روحٌ جديدٌ يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داوٍ يعلو مرددًا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم"، والتي ربانا عليها حينًا من الدهر أساتذة الدعوة ومرشدوها ومَن سبقونا على الطريق، فكانت ثمرتها تلك الروح التي دفعت الإخوان إلى التسابق من أجل الالتحاق بكتائب المجاهدين في فلسطين وشعارهم ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية)،

والتي جعلت الإخوان يقدمون على البذل والتضحية بأغلى ما يملكون من أجل دعوتهم ووفاء ببيعتهم، محققين قوله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية111)، والتي حفظت الإخوان أثناء المحن المتلاحقة الشديدة في قسوتها، والطويلة في سنواتها، والرهيبة في بطشها، فلم تلن لهم قناة ولم يصابوا بيأس ولا قنوط ولم تفلح وسائل الطغاة في تحقيق الانهزام النفسي لهم، مدركين حقيقة الابتلاء على الطريق لقوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾(العنكبوت)، والتي عصمت الإخوان من أن يخدعهم بريق الإعلام ووجاهة الساسة وإغراءات السلطة في كل وقت وحين.

فقدان الروح

– حينما يضعف الإيمان في قلوبنا، ويغيب الفهم العميق عن دعوتنا من عقولنا، ونتخلف عن العمل المتواصل لدعوتنا، وحينما تتقدم الدنيا على الآخرة في أولوياتنا، وحينما تتصارع مصالحنا الشخصية مع مصالح الدعوة، وحينما نسلم زمام أمورنا إلى أهوائنا الشخصية، وحينما تتغلب علينا الأمراض الفتَّاكة؛ "الشح المطاع، والهوى المتبع، والدنيا المؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه"، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

حينما يقل وجودنا بالمساجد ولا نهتم بالصف الأول فيه، ونكسل عن صلاة النوافل، وصيام التطوع، وختام الصلاة، وحينما يضعف وجودنا في صلاة الفجر، وحينما نحصر المأثورات في أذكار الصباح والمساء فقط، وحينما نختصر أذكار الصباح والمساء على الوظيفة الصغرى، أو قراءة الأذكار مرة واحدة فقط، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

– حينما ينجح الظالمون في كسر إرادتنا وإصابتنا بالإحباط، وحينما نركن إلى شبهاتهم المثارة حول دعوتنا وفكرتنا وقيادتنا، وحينما نُسلِّم لهم فيما ينشر في إعلامهم، ونصدقهم فيما قالوا ونتحرك به، وحينما نسقط في شرك ضغوطهم وتهديداتهم فنستسلم لهم ونقبل سيناريوهاتهم، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

– حينما يكون الانفصال كبيرًا بين قولنا وفعلنا، وحينما يكون البون شاسعًا بين ظاهرنا وباطننا، وحينما يكون التناقض قائمًا بين واقعنا وواجبنا، وحينما نتحرك بأقوالنا لا أفعالنا، وبمظهرنا دون جوهرنا، فقد فقدنا الروح الإخوانية، واستحققنا قوله تعالى ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف).

– وحينما نبحث عن المغنم في دعوتنا سواء كان ماديًّا أو معنويًّا، وحينما تصبح الأنا هي المسيطرة علينا بحثًا عن مكانة أو زعامة، وحينما تنحط اهتماماتنا وننغمس في شهواتنا، ونركن إلى الدنيا وملذاتها، وتصبح الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا، ويتحقق فينا قول ربنا ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾(آل عمران: من الآية 152)، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

– حينما نفتقد المصداقية والواقعية في كتاباتنا، وننظر دائمًا إلى النصف الفارغ من الكوب، ويكون تركيزنا على السلبيات، ونكثر من النقد لدعوتنا وقيادتنا، وحينما نغفل الإنجازات والإيجابيات، ولا نحب الناجحين، ونعمل دائمًا على تشويه صورتهم، ونبحث دومًا عن نقائصهم، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

حينما يكون كلامنا بلا روح وإن كان عظيمًا في بيانه وسحره، وحينما تكون آراؤنا انهزاميةً تدمر الروح في الصف، وحينما تكون أفكارنا هادمة لثوابت الدعوة بحجة التعبير عن الرأي، وحينما تسيطر علينا الأماني الكاذبة وأحلام اليقظة، فقد فقدنا الروح الإخوانية.

– حينما يزداد انجذابنا إلى الأرض والطين فتضعف الروح وتصاب العزائم بالوهن، ويصبح هم الواحد منا هو كيفية تحصيل أسباب الحياة المريحة له ولأبنائه، وينعكس ذلك على محيطه الدعوي بالسلب، ويصبح أداؤه أداءً روتينيًّا يفتقد الحماس والروح، وحينما نتحين كل فرصة للهروب من القيام بأعمال الدعوة، وحينما نبخل على دعوتنا بالمال والنفس والوقت والحياة فقد فقدنا الروح الإخوانية.

– كل ذلك وغيره يمكن أن يكون له أثر في إضعاف الروح الإخوانية عند العاملين للدعوة وللإسلام.

آثار غياب الروح

إن غياب الروح له آثار شتى على الفرد والجماعة ومن ذلك:

– زيادة أعداد البطالة الدعوية، وقلة عدد من يحملون هم هذا الدين، وقلة عدد من يعمل على إنقاذ نفسه وأمته من حوله، وكثرة المتربصين الباحثين عن السقطات والزلات، وكثرة الناقدين الجارحين.

– تحول الأخ العامل في حقل الدعوة من كونه صاحب هم دعوي إلى مستأجر وموظف يؤدي وظيفة، فيكون أداؤه للأعمال بلا روح، ينتظر دومًا موعد الانصراف، يفرح كلما جاءت الإجازات، ويحزن كلما زادت الأعباء، وبالتالي يزداد عدد الموظفين، ويقل عدد أصحاب الهمم، فتتأخر الدعوة، وإن بدت كبيرة، وتتأخر المهام، وإن كانت الأعداد هائلة لأنها بلا روح، حينئذٍ تكثر أعداد الموظفين ويقل عدد العاملين، حينئذ يكثر الكلام والتنظير والجدال العقيم، ويقل التطبيق والعمل، حينئذٍ نجد العمل بلا ثمرة والجهد بلا أثر.

– تأخر النصر من الله، وتعطيل ركب الدعوة، وتخلف المشروع الحضاري الإسلامي، وعدم تحقق الأهداف المرجوة، وفقدان التأثير في المجتمع من حولنا، وعدم التفاف الأنصار حولنا.

– شيوع روح الانهزامية والرضا بالواقع والانبهار بأي تجربة تنجح ولو نجاحًا جزئيًّا في بعض معالم الدين وإن تخلت عن بعض ثوابته من ناحية أخرى، وهو انبهار يعكس الضعف والوهن الذي أصاب القلوب وجعلها تستطيل الطريق، وترضى بأي نجاح ولو كان زهيدًا، وتقبل بأي حلول جزئية وأي تغيير سطحي.

– فرض واقع المنهزمين على من حولهم والاجتهاد في تبرير ما يرونه برأيهم وما يفعلونه، رافعين في ذلك شعارات قد تقنع الآخرين، وتدفعهم إلى تقليدهم في استرخائهم وانشغالهم بمصالحهم الشخصية على حساب العمل الدعوي، مرددين (مصلحة الدعوة تقتضي ذلك- نحن جزء من مجتمع مريض- الزمان تغير ولا بد من تغيير الوسائل)، والكثير من التأويلات التي يتم تأويلها على غير وجهها الصحيح، فيؤدي ذلك إلى مزيد من الاستسلام للواقع.

لا بد من عودة

إن عودة الروح الإخوانية تتمثل في التزامنا بالقرآن والسنة ورسائل البنا في مناهجنا التربوية وخطواتنا العملية الحياتية والدعوية، والعودة من جديد إلى عهد المأثورات، وتتمثل في عودة تربية الزمن الجميل، وإن عودة الروح الإخوانية تتمثل في إيماننا بالدعوة التي ندعو الناس إليها، وحمل همها، والشعور بالخوف عليها إذا أهملنا في حقها، وفي قوة الحب للدعوة والإخلاص والتجرد لها والتضحية في سبيلها، وفي غلبة الروح فينا وأن تملك الدعوة قلوبنا وأفكارنا، وتقهر شهواتنا وتذوب شخصياتنا، وحينما تكون ألسنتنا وكتاباتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا تنطق بالدعوة وللدعوة في حرقة وشفقة ورغبة.

وإن عودة الروح الإخوانية تكون بمراجعة النفس، وتبيين حقيقة المسير والتثبت من صحة الطريق، وتحسس مواضع الأقدام، وتلمس علامات الطريق ومنارات الهدى، كي لا يضل الإخوان طريقهم ولا ينحرفوا عن جادة مسيرهم، وتكون بأن نتلمس سلوكياتنا ونجدد عهدنا بتجديد إيماننا، ونصحح مسيرتنا بحسن أخلاقنا، وبأن نكون دعاة يتكاملون لا يتشاكسون، يغوصون في الأعماق، ولا يكتفون بالسطحيات، يصححون للناس مسارهم، ويكونون قدوةً لهم.

إن عودة الروح الإخوانية هي واجب الوقت الذي يجب أن ينشغل به المربون مع إخوانهم في مثل هذه الظروف التي تمر بها الدعوة دومًا، ونختم بمقولة الإمام الشهيد حسن البنا: "إن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين أقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وإني أعتقد- والتاريخ يؤيدني- أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء".

هذه هي الروح الإخوانية التي نريدها، هيا بنا نعيدها إلى دعوتنا وجماعتنا، والله غالب على أمره، والله أكبر ولله الحمد.

هذا المنشور نشر في سلسلة تربوية. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق