إبراهيم عيسى وصفقات الإخوان المسلمين

Picture1ssss 

بقلم: عبده مصطفى دسوقي

كتب الأستاذ إبراهيم عيسى مقالاً بعنوان "الإخوان والصفقة التي لا تنتهي أبدًا!" يوم الأربعاء 4/1/2012م كال فيه الاتهامات لجماعة الإخوان المسلمين، وتحدث فيه عن تاريخ الصفقات التي وقع فيها الإخوان للوصول للسلطة، ولقد استند إلى بعض الوقائع دون أن يوثقها، وردَّد ما كتبه من قبله البعض سواءً من اليساريين أو العلمانيين وكأنها تاريخ حقيقي ووقائع حقيقية، وكأنهم كذبوا الكذبة وصدقوها بمثل هذه الأقاويل.

فالإخوان الذين تحملوا كل هذه السنوات من أجل وطنهم لن يعقدوا صفقة مع المجلس العسكري ولا غيره، فالشعب قد اختارهم في أكثر من 24 نقابة، كما اختارهم أكثر من 10 ملايين ناخب حتى الآن ليمثلهم في البرلمان، فهل يخون الإخوان هذه الثقة من أجل مصالحهم الشخصية.. هذا لو كان لهم مصالح غير مصالح الوطن.

لقد كتب إبراهيم عيسى أن الإخوان يجب أن يقرءوا ويهتموا بتاريخهم ويتعلموا من ماضيهم، ولم يدرك إبراهيم عيسى أن الإخوان لولا قراءتهم لتاريخهم وماضيهم وتعلمهم مما يجري ما ظلت الجماعة أكثر من ثمانين عامًا بهذا التلاحم والترابط، بالرغم مما واجهها من صعاب واضطهاد.

وأخذ يصور أن الإخوان وقعوا في هذه المحن لكونهم يعملون لصالحهم الشخصي، ولا أدري على أي أساس بنى هذا الاعتقاد، فهل يظن أن أفراد الإخوان الذين تربوا على معاني الإسلام الشاملة والتضحية من أجل الرقي بوطنهم أينما كانوا، واعتقلوا سنين طويلة، ومنهم أعداد كثيرة ماتت داخل السجون، فهل يظن أن أمثال هؤلاء اصطدموا مع النظام من أجل مصالحهم، أعتقد أنه لم يصب في هذا الاعتقاد؛ لأن الإخوان تربوا على التضحية الحقيقية، والتي تنهض بالوطن وتعمل على استقلاله من كلِّ مستعمر ومن كل طاغوت.

بالإضافة إلى أن الإخوان اهتموا بكتابة تاريخهم منذ خرجوا من المعتقلات، فنجد ما كتبه الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ"، ثم إنشاءهم مركزًا تاريخيًّا باسم "البصائر للبحوث والدراسات" أخرج كثيرًا من الكتب التاريخية الموثقة، كما أخرج كل ما كتبه وقاله الإمام حسن البنا في 15 مجلدًا، وليس كما ذكر إبراهيم عيسى أن الإخوان يقرءون مذكرات الإمام البنا ورسائله فقط، فللإمام البنا 15 مجلدًا في شتى المجالات، ثم دعمت الجماعة هذا الأمر وأطلقت موقعها التاريخي الرسمي باسم ويكيبيديا الإخوان المسلمين من فبراير 2010م، وهو الذي يحوي الكثير من الوثائق والكتب والأبحاث العلمية التي كانت تغني الأستاذ إبراهيم عيسى للتعرف على الإخوان وتاريخهم والصفقات التي يتحدث عنها بما جاء في الوثائق والصحف الدوارة، وليس بما سمعه وتناقلته الألسنة.

لقد تحدث إبراهيم عيسى عن أن الإخوان المسلمين ليس لهم في السياسة حينما استند إلى ما كتبه الأستاذ محسن محمد، دون أن يعود لما كتبه حسن البنا نفسه أو المتواتر من كلام ومعلومات عن موقف الإخوان من السياسة.

لقد كان موقف الإمام البنا من السياسة واضحًا وصريحًا وهي السياسة الحزبية التي تقوم على التناحر والتباغض وليس السياسة بمفهومها الواسع والعام؛ حتى إن أول أصل من الأصول العشرين يوضح أن منهج الإخوان ومبادئهم واضحة وشاملة لكلِّ مناحي الحياة سواء دينية أو عسكرية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

صفقات الإخوان

لقد تحدث إبراهيم عيسى عن صفقات الإخوان على مدار تاريخهم، وما هذه الأقاويل بجديدة، ولقد فندتها الجماعة على مدار تاريخها، مثلها مثل كثير من الشبهات عن علاقة الإخوان بالعنف وعلاقتهم بالأقباط والمرأة في الإخوان، وعلى أرض الواقع تم تفنيد هذه الوقائع عمليًّا دون كلام، والفعل أبلغ من الكلام في الرد.

لقد ذكر أن الإخوان داهنوا الملك تارة، والإنجليز تارة أخرى، والأمريكان تارة، والأحزاب الصغيرة على حساب الوفد تارة، وغيرها وغيرها، وما ثبت واقعيًّا أي دليل على ذلك.

فالإخوان كانوا ينظرون لمصالح الوطن في المقام الأول من مواقفهم، فحينما رحبوا بفاروق كان لمواقفه في بداية حياته، وأثر تربية الشيخ المراغي فيه، وأيضًا تربية علي ماهر، والتي وضحت في تعامله مع الفقراء وشعبه، لكن حينما انساق وراء نزواته وقف له الإخوان، وكتب له الإمام البنا أكثر من مرة، وآخرها أن وقف الإخوان مع الثورة لتنحية الملك.

أما موقفهم من إسماعيل صدقي فقد أقر الرجل بخطئه في بداية حياته، وطلب من الجميع إعطاءه الفرصة لتقديم قضية الوطن إلى مجلس الأمن، وهذا طبيعي أن أعطى للغير الفرصة ولا أحكم عليه من أول وهلة، لكنه حينما ترك القضية ولجأ إلى المعاهدات مرة أخرى حرَّك الإخوان المظاهرات حتى عزله الملك.

وكونه أعطى الإخوان ترخيص جريدة فلا أدري ما الحرج في ذلك، فقد كان توجد أكثر من 1500 صحيفة وكلها أخذت تراخيص، وكلها أخذت نصيبًا من الورق المدعوم، فما العيب فيما جرى للإخوان في ذلك؟.

كانت علاقة الإخوان بالنقراشي وغيره علاقة الناصح الأمين، فحينما داهن الإنجليز حرك الإخوان المظاهرات ضده، وحينما تقدم بقضية الوطن أمام مجلس الأمن وقف الإخوان وراءه ودعموه في القضية حتى حينما أرسل النحاس باشا خطابًا لمجلس الأمن يخبرهم أن النقراشي لا يمثل الأمة، وأن الوفد هو الممثل الوحيد ردَّ الأستاذ البنا بخطاب يخبرهم أن النقراشي ممثل الأمة في عرض قضيتها، بل ذاع هذا الأمر في الإذاعة.

ولقد وقف الإخوان خلف الوفد في انتخابات 1950م من أجل مصلحة الوطن وليس من أجل مصلحتهم، بالرغم من أن المحكمة قد حكمت لهم بإلغاء قرار الحلِّ الذي أصدره النقراشي باشا عام 1948م.

وحينما قامت الثورة وقف خلفها الإخوان وتعامل الشعب معها على أنها ثورة مدعومة من الإخوان، وليس الصدام الذي حدث مع عبد الناصر أو مجلس الثورة من أجل تقسيم الكعكة كما يلمح إبراهيم عيسى لكن من أجل محاولة العسكر انتهاك الحريات، وعدم عودتهم مرة أخرى إلى ثكناتهم، وأيضًا من أجل معاهدة الجلاء التي كانت تحمل في طياتها مشروع استعمار.

يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته ص (88: 91): "اجتمع مجلس قيادة الثورة في استراحة وزارة الأوقاف بمنطقة الأهرامات يوم 18/12/1953م وناقش بعض الموضوعات والتي من أهمها كيفية القضاء ومقاومة الإخوان المسلمين، كما ناقشنا الطريقة المثلى لحلِّ جمعيتهم، وأن نستفيد من الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان بعضهم البعض ونغذيها لإضعافهم، كما ناقشنا أن حلَّ جمعيتهم الآن سيزيد العطف عليهم وتمسك الشعب بهم.

ولقد تمَّ اعتقال الإخوان وقادتهم وتنحية محمد نجيب عن منصبه غير أن مظاهرات عابدين استطاعت أن تعيد نجيب مرة أخرى إلى مكانه وتفرج عن الإخوان، وفي 26/3/1954م ذكرت صحيفة (الأهرام) في صفحتها السابعة خبر زيارة جمال عبد الناصر لمنزل المرشد العام الهضيبي لتهنئته بالإفراج، حتى أن محمد نجيب كما ذكر بغدادي في مذكراته تساءل في اجتماع 24/7/1954م عن سبب زيارة جمال للمستشار الهضيبي، وأن كل ذلك يتم بدون معرفة مجلس قيادة الثورة وهو خاصة.

فالموضوع ليس موضوع صفقات لكن موضوع تقبل الآخر، لقد شارك الإخوان في ثورة 25 يناير، والجميع يريد عودة العسكر إلى ثكناتهم بمن فيهم الإخوان، والكل ارتضى بالانتخابات تأتي بمن يريده الشعب، لكن من يسمون أنفسهم ديمقراطيين انقلبوا على الديمقراطية؛ لأنها لم تمش وفق هواهم، وخالفت ظنونهم التي كانوا يرددونها أنه لو أجريت انتخابات حرة فلن تأتي بالإخوان؛ لأنه ليس لهم قيمة، وإنما انتخبهم الشعب عام 2005م نكاية في النظام، لكن في ظلِّ انتخابات حرة شهد لها الجميع أتت بالإخوان والإسلاميين فلا سبيل بعد ذلك إلا عمل حملة منظمة لترويع الشعب من الإسلاميين ومن حكمهم، وهذا ما يقوم به البعض الآن من العلمانيين واليساريين وغيرهم وكأنهم هم حماة الوطن وحدهم.

فاليساريون مثلاً اعترفوا بإسرائيل بعدما اعترفت روسيا مباشرة، فلم أجد أحدًا يتهمهم بالخيانة لقضايا الوطن، ووثائق ويكيلكس تظهر كل يوم ما قام به مَن يسمون أنفسهم تنويريين أو ديمقراطيين أو نشطاء، فلم نجد أحدًا طالب بمحاكمتهم، أمام القانون وإظهار الحقائق، بل الكل رفع راية الدفاع بسبب ودون سبب.

—————————————–

رئيس تحرير موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

هذا المنشور نشر في مقالات, أخبار ووثائق. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق