منزلة الإعتصام – 2 قراءة في كتاب مدارج السالكين

image

نواصل في هذه التدوينة منزلة الإعتصام ويشرح ابن القيم هنا درجتين لهذه المنزلة اعتصام الخاصة واعتصام خاصة الخاصة :
واعتصام الخاصة يعني  انقطاع النفس عن أغراضها من وجوه ثلاثة :
فيصون إرادته، ويقبضها عما سوى الله سبحانه، وهذا شبيه بحال أبي يزيد فيما أخبر به عن نفسه لما قيل له: ما تريد؟ فقال: أريد أن لا أريد.
الثاني: إسبال الخلق على الخلق بسطا، وهذا حقيقة التصوف، فإنه كما قال أبو   بكر الكتاني: التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف.
فإن حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه، وكرم نفسه وسجيته. وفي هذا الوصف يكف الأذى، ويحمل الأذى ويوجد الراحة، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه، ويمشي ميلين مع من سخره ميلا، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها.
وأما الثالثة رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق، وتركها في ظاهره وباطنه.
والأصل هو قطع علائق الباطن، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر، ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء.

قيل للإمام أحمد: أيكون الرجل زاهدا، ومعه ألف دينار؟ قال: نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت، ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة مع ما بأيديهم من الأموال.
وقيل لسفيان الثوري: أيكون ذو المال زاهدا؟ قال: نعم إن كان إذا زيد في ماله شكر، وإن نقص شكر وصبر

وأما اعتصام خاصه الخاصه….فهو  أن يشهد الحق سبحانه وحده منفردا، ولا شيء معه،
ثم القرب من الله وارتفاع الوسائط المانعة منه، ولا ريب أن العبد يقرب من ربه، والرب يقرب من عبده، فأما قرب العبد فكقوله تعالى {واسجد واقترب}

فعبر ابن القيم  عن طلب القرب منه، ورفض الوسائط الحائلة بينه وبين القرب المطلوب الذي لا تقر عيون عابديه وأوليائه إلا به بالاستحذاء. وحقيقته موافاة العبد إلى حضرته وقدامه، وبين يديه، عكس حال من نبذه وراءه ظهريا، وأعرض عنه ونأى بجانبه، بمنزلة من ولى المطاع ظهره، ومال بشقه عنه.
وهذا الأمر لا يدرك معناه إلا بوجوده وذوقه، وأحسن ما يعبر عنه بالعبارة النبوية المحمدية، وأقرب عبارات القوم أنه التقريب برفع الوسائط التي بارتفاعها يحصل للعبد حقيقة التعظيم، فلذلك قال ” الاستحذاء له تعظيما “.
ومن أراد فهم هذا كما ينبغي فعليه بفهم اسمه تعالى الباطن وفهم اسمه القريب مع امتلاء القلب بحبه، ولهج اللسان بذكره، ومن هاهنا يؤخذ العبد إلى الفناء الذي كان مشمرا إليه، عاملا عليه

هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق