وثيقة المدينة أول دستور مدنى فى العصر الحديث (دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية كيف ولماذا ؟ 2 )

2medine8 

نواصل معكم تأصيل المرجعية الإسلامية للدولة المدنية وحتى يسهل مراجعة التدوينات فهذه روابط لما سبق :

تأصيل المصطلح

بيعة العقبة الكبرى

المرجعية فى فكر الإخوان المسلمين   

بعد هجرة الرسول صل الله عليه وسلم إلى المدينة صدر وثيقة تنظم العلاقة بين أطياف المجتمع فى المدينة بين مهاجرين وأنصار وعرب مشركين ويهود وهذه الوثيقة تمثل أول دستور مدنى فى التاريخ الحديث نأخذ مقتطفات أولا من الوثيقة :

نصّ الوثيقة:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم  بأنّ المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على رِبعتهم ( حالهم، من وردوا المدينة ) يتعاقلون بينهم، ويفْدون عانيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

ثم سردت الوثيقة التآخى بين المهاجرين والأنصار ثم نصت الوثيقة على التالى :  
وإنّ المؤمنين لا يتركون مفرجاً ( المثقل بالديْن والعيال ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإنّ المؤمنين المتّقين على من بغى منهم، وابتغى دسيعة ( كبيرة ) ظلم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين.

وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو ولد أحدهم، ولا يَقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا يُنصر كافر على مؤمن، وإنّ الله واحد يجير عليهم أدناهم.


وإنّ المؤمنين بعضهم مولى بعض، دون الناس. وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإنّ سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم.
وإنّ كلّ غازية غزت معنا، تعقب بعضها بعضاً، وإنّ المؤمنين يبؤُ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإنّ المؤمنين المتّقين على أحسن هدى وأقومه، وإنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن،

وإنّه من اعتبط مؤمناً قتلاً على بيّنة فإنّه قَوَد به، إلاّ أن يرضى وليّ المقتول، وإنّ المؤمنين عليه كافّة، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه، وإنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ( مجرماً )، ولا يؤويه، وإنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وأنّكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ بني عوف أمّة مع المؤمنين، ليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يُوتغ ( يهلك ) إلاّ نفسه، وأهل بيته. وإنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف. إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وإنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. وإنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ البر دون الإثم وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. وإنّ بطانة يهود كأنفسهم.
وإنّه لا يخرج منهم أحد إلَّا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنّه لا ينحجز على ثار جرح، وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، وإلاّ من ظلم، وإنّ الله على أبرِّ هذا.
وإنّ على اليهود نفقاته، وعلى المسلمين نفقاتهم، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنّه لا تُجَار حرمة إلاّ بإذن أهلها، وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حديث أو اشتجار يخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّ الله على من اتّقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وأنّه لا تُجَار قريش ولا من نصرها.

وإنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وإنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنّه لهم على المؤمنين، إلَّا من حارب في الدّين. على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحيين من أهل هذه الصحيفة، لا سكيب كاسب إلاّ على نفسه، وإنّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنّه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلاّ من ظلم أو أثم، وإنّ الله جار لمن برّ واتّقى،

هذا بعض ما نصت عليه الوثيقة والآن لنقرأ أحوال المدينة قبل صدور الوثيقة :

كان من أوائل ما عمله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة هو إيواء المهاجرين الجدد الذين قدموا إلى المدينة، واتخاذ التدابير اللازمة لتأمين الحاجات المعيشية الضرورية لهم ولعوائلهم. لذا قام بتأسيس علاقات التعاون الاجتماعية والاقتصادية بين مسلمي المدينة «الأنصار» ومسلمي مكة «المهاجرين»، وأطلق اسم «المؤاخاة» على هذه العلاقة  وقد اشترك في عملية المؤاخاة هذه 45 أنصارياً و 45 مهاجراً، أي بلغ المجموع 90 شخصاً.

بعد هـذه التطورات التي حدثت بعد الهجرة ظهرت ثلاثة قطاعات اجتماعية في المدينة: المسـلمون، اليهود، والعرب المشركون

كان المسلمون يتألفون من المهاجرين المكّيّين ومن أهل المدينة من الأنصار من قبيلتَي الأوس والخزرج كانت مثل هذه البنية الاجتماعية شيئاً غريباً في شبه الجزيرة العربية وغير معروف في حياة العرب وتقاليدهم لأن التقاليد القبلية العربية كانت قائمة على رابطة الدم والقرابة، بينما اجتمع في المدينة أناس من أديان ومن عناصر وقوميات وأماكن جغرافية مختلفة مشكّلين قطاعاً اجتماعياً مختلفاً والدليل على هذا أن المادة الثانية من وثيقة المدينة كانت تشير إلى جماعة سياسية قائمة على أساس الدين، وهي أمة واحدة دون سائر الناس.

كما كان عدد سكّان المدينة يبلغ 10 آلاف شخص، منهم 1500 مسلم و 4000 يهودي و 4500 من المشركين العرب فقام صل الله عليه وسلم بترسيم الحدود للمدينة المنورة ووضع علامات في زوايا الجهات الأربع لها، وهكذا عَيَّنَ حدود «دولة المدينة». وحسب المادة 39 من الوثيقة فإن المنطقة المحصورة في ضمن هذه الحدود والواقعة في داخل وادي يثرب (الجوف) أصبحت منطقة الحرم.

وهنا أقتبس بعض ما جاء فى مقالة نشرت بمجلة حراء التركية منذ أربع سنوات لعلي بولاج يقول عن الوثيقة :

ولأن الإسلام يقوم على مبدأ الحرية الكاملة فى مجال العقيدة وعدم إكراه أى أحد فى الدخول فى الدين لذا كانت حياته صل الله عليه وسلم فى المدينة فى مجملها  تنفيذ مشروع اجتماعي جماعي مستند على أساس من الحرية حيث تستطيع الجماعات التي تملك حكماً ذاتياً أن تعيش معاً في مجتمع عام، أو أن تضع نظاما سياسيا ييسر للجميع العيش معاً بسلام لا شك أن التبليغ (أي الدعوة إلى الدين الجديد) كان سيستمر ولكن بشرط عدم إكراه أي شخص على اعتناق دين معين، وكذلك رفع جميع العوائق أمام من يرغب في تبديل دينه.

وعقب الوصول إلى المدينة عقد مجلس كبير ضم الأنصار ونقباء المهاجرين حيث تم فيه في الأرجح مداولة الأحكام والأسس القانونية لعملية التآخي التي ذكرناها سابقاً وقد تم تعيين المواد 1-23 من هذه الوثيقة وتدوينها في هذا الاجتماع، أي تم تسجيل شكل العلاقات الاجتماعية والقانونية للجماعة الإسلامية وتثبيتها في مواد قانونية مكتوبة.

بعد ذلك قام الرسول صلى الله عليه وسلم بمشاورات عديدة، ليس مع رؤساء قبائل المسلمين فحسب بل أيضاً مع زعماء وممثلي الجماعات الأخرى من غير المسلمين. كان الاجتماع الأول مع المسلمين في بيت أنس بن مالك رضي الله عنه ثم مع زعماء المسلمين واليهود في بيت بنت الحارث حيث تم التفاهم على المبادئ الأساسية لـ«دولة المدينة» الجديدة. وفي رأي العالم المحقق محمد حمِيد الله فإن هذا «الدستور الجديد للدولة» كان من زاوية عقدًا اجتماعيًا بين الجماعات المنضوية تحت مظلة هذه الدولة الجديدة، وهذا الدستور هو وثيقة المدينة الموجودة بين أيدينا حالياً.

لا شك أن كِلا الاجتماعَين جريا في جو من الحوار الحُر، فقد طرَح ممثلو الجماعات المختلفة طلباتهم وأَولوياتهم، واستمعوا إلى آراء الآخرين وتحادثوا فيما بينهم وحددوا النقاط الأساسية والإطار المشترك ثم سُجِّلَ مَتن هذا الإطار.

وتحتوى هذه الوثيقة أو الدستور الذى حكم العلاقة بين أهل المدينة على المبادئ الآتية :

المبدأ الأول: يجب على كل مشروع مثالي يريد تحقيق الحق والعدل واحترام القانون والحقوق ويهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار بين الناس أن يظهر بين الجماعات المختلفة (من الناحية الدينية أو السياسية أو الفلسفية…الخ) على أساس من معاهدة وعقد. ويجب حضور جميع الأطراف الاجتماعية أو مَن يمثّلونها في أثناء تهيئة ووضع هذه المعاهدة أو العقد، وأن يتم هذا في جوّ من الحرية والحوار والمباحثة والمذاكرة بين هذه الأطراف.

ونظراً لكون هذه الأطراف جماعات غير متجانسة كان من الضروري أن تكون كل مادة من مواد الوثيقة تحمل طابع المشاركة وطابع الالتقاء بين هذه الأطراف، وأن تُسجَّل نتيجة التصويت عليها. وكل مادة متَّفَق عليها تشكل حكماً من أحكام الوثيقة، وكل مادة تكون موضع خلاف بين الأطراف تُترك لهذه الأطراف فالفقرات المُجمَع عليها تدخل في ساحة المعاهدة، والفقرات المختلف عليها تدخل في مجال الحرية الذاتية (أو الحكم الذاتي) وهذا دليل على الاختلاف الثريّ الموجود ضمن الوحدة، أي هو «الجماعية» الصحيحة.

المبدأ الثاني: وهو اختيار مبدأ «المشاركة» بدلاً من مبدأ «التحكّم»، لأنه في ظل الحكم السياسي الدكتاتوري لا يتم قبول التنوع والاختلاف، بينما نرى أن وثيقة المدينة تذكر أسماء القبائل المسلمة وأسماء القبائل اليهودية قبيلة تلو قبيلة، كما تشير إلى المشركين في مادة أخرى (المادة: 20/ب). وكلمة «المولى» الواردة في الوثيقة تشير إلى القبائل والعشائر والمجموعات التي دخلت في عهد أو اتفاق مع إحدى القبائل دون وجود أي قرابةِ دم معها. وهذا يعني أن كل طرف من الأطراف الاجتماعية التي وقّعت على هذه الوثيقة كان يمثل أيضاً القبائل والمجموعات المرتبطة بها، وكان يعطي نفس الحقوق والمسؤوليات لها.

إلا أن المادة رقم «20/ب» كانت تشير إلى أحكام خاصة بالنسبة للمشركين العرب، وكانت هذه الأحكام تؤيَّد بالمادة رقم «43» كذلك. وكانت الغاية من هذه الأحكام منع مشركي المدينة من أي تعاون مع مشركي مكة سياسياً كان أم عسكرياً. هذا علماً بأن مشركي المدينة لم يكونوا يحملون أيّ رغبة في التعاون مع مشركي مكة، لأنهم كانوا يخافون من أن يجلب هذا التعاون مشاكل لهم. ولكنهم كانوا يرغبون في التمتع داخل دولة المدينة (الموضَّحة في المادة: رقم 39) بكل الحقوق والحريات مع الآخرين. وقد قامت الوثيقة بتأمين وضمان هذه الحقوق والحريات لهم أيضاً وعلى أساس من القانون. ونحن نعلم بأن مشركي المدينة -وهم طرف في وثيقة المدينة- استمروا في العيش في المدينة حتى بعد معركتَي بدر وأُحد اللتَين جرَتا مع مشركي مكة، ولم يحدث أيّ مشاكل بينهم وبين المسلمين.

ونستنتج مما تقدم أن كل مجموعة دينية وعرقية كانت تملك حرية ثقافية وحقوقية؛ أي إن موقف كل طـرف من ناحية الدين وتشريع القوانين المتعلقة بالمجتمع والمحاكمة والثقافة والتجارة والفن والعبادة وتنظيم الحياة اليومية…الخ، مواقف هذه المجموعات والطوائف المختلفة ستبقى كما هي وكما ترغب وتستطيع التعبير عن نفسها في هذه الساحات بحرّية من خلال المقاييس القانونية والثقافية. والمادة التي كانت تَضمن هذه الحقوق هي المادة رقم «25».

أما المادة رقم «42» فتذكر بأنه في حالة ظهور أي خلاف يخشى من عواقبه يتم الرجوع فيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . والظاهر من الآيات القرآنية ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن مصادر السيرة النبوية فإن هذه المادة قد اقتُرحتْ من قبل اليهود والمشركين لأن الوضع الفوضوي في المدينة كان قد هز الثقة والاطمئنان بين القبائل. لذا فقد اتفق جميع الأطراف على رفع المشاكل التي لا يستطيعون حلَّها إلى مرجع أعلى يقوم بحلّها. وكان هذا المرجع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان مرجعاً محايداً أتى من خارج المدينة. وكان القرآن الكريم يذكر له أن بِوُسعه النظر في دعاوى القوم إن أراد ذلك ويعطيه هذه الصلاحية ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ (المائدة: 42).

وعلى إثر هذه الآية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخيّر مَن يراجعه منهم وكان يسألهم ما إذا كانوا يريدون أن يحكم بينهم بالقرآن أم بالتوراة؛ أي إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في موضع «الحَكَم» وليس في موضع «الحاكِم». ويجب أن نضيف هنا أن النظر في قضايا غير المسلمين أو إعطاء حق حل مشاكلهم ودعاويهم -لا سيما الدعاوى المدَنية منها- في محاكمهم وضمن قوانينهم أصبح منذ ذلك اليوم حقّاً من حقوق الذميين، واستمر هذا الأمر حتى نهاية الدولة العثمانية.

أما المادة «23» فكانت تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم المطلق في الأمور الدينية للمسلمين، ولكنه يستشير الآخرين في المسائل الإدارية وكان هذا أمراً طبيعيّاً، لأن المسلمين كانوا قد بايعوه ورضوا بالارتباط به والانقياد له منذ البداية. وهو أمر مناسب لأسس الدين الإسلامي الذي لا يفرق بين العبادة والحقوق وهذه المادة -كمَبدَأ أساسيٍّ- تؤكّد أن الدين الإسلامي يُلزم المسلمين فقط.

والذين يتّهمون الإسلام ويَصِمونه بالدكتاتورية لا يعرفون هذه الحقيقة تمام المعرفة لأن الناس إن كانوا أحراراً في اختيار دينهم ولهم مثل هذا الحق فإن هذا يؤدي -ويعني أيضاً- أن الأشكال المختلفة للحياة الاجتماعية والقوانين المرتبطة بها يجب أن تكون متلائمة مع الدين ومع الأفكار الدينية.

وفي هذا الوضع فإن الدين الإسلامي والقوانين الإسلامية تلزم المسلمين فقط، ولا تَشمل الآخرين، ولا يُطلب من غير المسلمين التصرف حسب هذه القوانين. وهذا شرط -وكذلك ضمان- لحرية الدين والوجدان وحرية التعبير والسماح للآخرين بالعيش حسب أديانهم وقد حقق الرسول صلى الله عليه وسلم هذين الشرطَين قبل 1400 سنة وتم تسجيلهما في إطار القوانين والحقوق، بينما لم يتحقق هذا حتى الآن في عصرنا الحالي.

كانت هذه الوثيقة عالمية وموضوعية و فَوق الطوائف الاجتماعية، أي لم يكن بوسع المسلمين واليهود والمشركين الخروج خارج نطاقها العام.

كان هذا وحده انقلاباً وثورة كبيرة ففي هذه البنية القانونية الجديدة التي لا تتم فيها حماية المجرم من أي طائفة أو جماعة تتجلى العدالة وتسود الطمأنينة وتظهر وتُصبح مسؤولية اجتماعية مشتركة بين جميع الأطراف (المادة: 12 و 13 و 21). ويعني هذا أن الجرائم والعقوبات أصبحت فردية، وانمحى مفهوم الجرائم والعقوبات الجماعية. ولكن قيام قبيلة الجاني بدفع دية المقتول لم يكن يُخلّ في ظروف وجو ذلك العهد بهذا الأساس القانوني. كما كانت الفقرة «12/ب» تسمح للأشخاص بالقيام -خارج هذه الوثيقة- بعقد اتفاقات أخرى مع موالي الأشخاص الآخرين.

إن الناحية التي تهمنا في هذه الوثيقة أنها وثيقة مكتوبة في عام 622م، نتيجةَ مباحثات ومشاورات بين قطاعات دينية واجتماعية مختلفة، وأنها وضعت للتطبيق العملي.

هذا ويمكنا أن نستخرج كليات أساسية من أحكام هذه الوثيقة إن قمنا بعملية تجريد وتعميم لها، ومن ثم يمكن لهذه الكليات الأساسية أن تكون مصدر إلهام في حل كثير من المشاكل اليوم. وهناك العديد من الأحاديث والآيات والعديد من التجارب الذاتية والمحلية في تاريخ المسلمين، وكذلك العديد من أحكام الشريعة الإسلامية التي تؤيد المشروع الكبير الذي استهدفته هذه الوثيقة.

وإن التجارب التي حفَل بها التاريخ الإسلامي في هذا الموضوع كانت انعكاساً لروح هذه الوثيقة بخطوطها العامة وشرحاً وتطبيقاً لها إننا ونحن نعيش في هذا العصر مشاكل عدّة مثل النـزاع العربي الإسرائيلي والنـزاعات الإقليمية ودعوى صراع الحضارات والعمليات الإرهابية نرى أننا في حاجة ماسّة إلى مشاريع تتخذ من التعاقد والحوار والمباحثات أساساً لها، أي نحتاج إلى مشاريع تؤمن بالتعددية وتسعى لها.

أعتذر عن الإطالة ولكن كان لا بد منه حتى يكتمل الموضوع الهام وأرجو أن يقرأه الجميع بتمعن فهو من الأهمية بمكان خاصة فى هذه الأوقات

 

هذا المنشور نشر في علوم سياسية. حفظ الرابط الثابت.

8 Responses to وثيقة المدينة أول دستور مدنى فى العصر الحديث (دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية كيف ولماذا ؟ 2 )

  1. emad كتب:

    جزاك الله خيرا على هذه المعلومات القيمة والتحليل المنطقي.
    كنت أرجو أن أحد مواد الوثيقة كاملة مرتبة بالأرقام كما في الدساتير في أيامنا كي يسهل فهمها و أرجع إليها كلما أرشرت إلى مادة كما كنت تفعل.

  2. اريد ان اصبح في ومن رؤساء الدولة اليهودية

  3. محمد فوزي كتب:

    لا تنس اخي الفاضل ان هذه الوثيقة سندها ضعيف جدا و واهي عند بعض اهل العلم و لا تقوم بها حجة حتى تقيم عليها منهجك

  4. 771982019 كتب:

    فالبداية اللهم صلي وسلم على خير من خلق على البسيطه محمد عليه الصلاة والسلام ثانيا
    اطلب توضيح عدد سكان المدينة حيث وضحة ان عددهم 10الف شخص وفرقتهم وذكرة ان المسلمين 1500 واليهود 4000 والمشركين 4500 فالمجموع مليون والمذكور في عددهم 10 الف صحح الخطاء

  5. يا ترى الإخوان طبقوا ذلك في الواقع المُعاش مع الناس.

    يا ريت –> ترى يرد ، ولو موش موجود – ريت يرد !!

    • drabomarwan1972 كتب:

      دستور عام 2012 كان سيكون البدايه لتطبيق المرجعيةالاسلامية وع مجموعه القوانين التي كان من اهمها الصكوك الاسلاميه

  6. جميل واااايد حلووووو

أضف تعليق