وفى الصوم زاد على الطريق

  77 

فى كتابه النفيس زاد على الطريق يعطينا الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله خطة لأنواع مختلفة من العبادات والأفعال تمثل زاد على الطريق للداعية ومنها الصوم ولنقرأ ما كتبه عن الصوم كزاد على الطريق :

تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فالصوم يلبس صاحبه لباس التقوى وهو جنة وحصانة للصائم من الشرور و الفتن  ويتميز الصوم من بين سائر العبادات بخاصية النسبة الى الله تعالى  فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 😦 قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا لصوم فإنه لى وأنا أجزى به  والصيام جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى صائم  والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك  للصائم فرحتان يفرحهما  إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه ) متفق عليه .

وقد ارتبطت فريضة الصوم بشهر رمضان  وإذا ذكر رمضان فكأنما تذكر جنة فيحاء يمر بها المسلم وهو يسير وسط صحراء الحياة ولفحها وفتنها ، وإذا كان الصيام كله زاداً وخيراً فكونه فى شهر رمضان من شأنه أن يضاعف هذا الزاد ويزيد الصيام بها خيراً ، فقد خصَّ الله شهر رمضان بخير كثير يجعلنا لو علمنا هذا الخير لتمنينا رمضان السنة كلها  ففيه نزل القرآن :{ شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى و الفرقان } وفيه ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر . وفيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين وفيه يضاعف الأجر وفيه الاعتكاف و القيام ، وهكذا يستقبل المسلم الصادق شهر رمضان بالفرح و السرور  فرح المؤمنين بفضل الله ورحمته يستروح فيه من عناء الحياة ويتزود ويجدد نشاطه كى يواصل السير على الطريق ولا يستمتع بذلك الخير ويحصل على ذلك الزاد إلا من عاش رمضان وأدى الصوم كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ففى شهر رمضان يزداد إقبالنا على القرآن تلاوة وممارسة وحفظاً ونقوم به الليل فننهل بذلك من معين لا ينضب نوراً وحكمة وهداية وموعظة وشفاء لما فى الصدور وفى ذلك زاد أى زاد .

وفى شهر القيام يؤدى الصائمون القيام كل ليلة شهراً كاملاً وفى ذلك زاد مكثف وتطويع للنفس على العبادة و الصبر عليها وتذوقها ومداومة الصلة و القرب من الله و الخضوع و الخشوع له .

وفى شهر رمضان يسن الاعتكاف ، وللاعتكاف آثاره وانطباعاته على المعتكف فهو يعيش فترة فى ضيافة الله فى بيت الله وقد خلص من مشاغل الحياة وتفرغ لطاعة الله و التقرب الى الله بالذكر و الصلاة و الدعاء و المناجاة وقراءة القرآن والاستغفار و التوبة و البكاء من خشية الله ، وهكذا يكرم الله أضيافه فيفيض عليهم بأنواره وهدايته ويخرجون مزودين بزاد من التقوى والإيمان والرشاد ، وفى وسط آيات الصوم تجد قول الله تعالى :{ وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون } .

و الصوم يكسب الصائم صفة الإخلاص لله وحسن مراقبته لأنه سرٌ بين العبد وربه ، والإخلاص لله من أعظم وألزم الزاد لكل مسلم على طريق الدعوة ، فلا خير من عملٍ أو جهد إذا خلا من الإخلاص لله سبحانه فالله غنى عن الشركة ولا يقبل إلا العمل الخالص لوجهه .

و الصوم فيه مجاهدة لرغبات النفس و الجسد ، وفى ذلك تقوية لإرادة المسلم ، وهذا زاد لازم ضرورى للداعى الى الله و المجاهد فى سبيل الله .

فالصائم يكبح جماح نفسه وشهواته على الحلال فترة من اليوم طوال الشهر أداءً لعبادة الصوم ، وفى ذلك عون له على أن يمتنع عن الحرام باقى الأوقات .

الصوم يكسب الصائم فضيلة الصبر وهى من ألزم الصفات للدعاة الى الله فيعينهم الصبر على تخطى العقبات ومواصلة السير على طريق الدعوة دون وهن أو ضعف أو استكانة :{ فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } فلا يثنيهم وعيد أو تهديد أو إيذاء أو تشريد .

الصوم يربى الجوارح ويهذبها شهراً كاملاً فتعتاد ذلك فلا يقتصر الصوم على شهوتى البطن و الفرج ، ولكن الصوم الصحيح أن تصوم الجوارح كلها عن كل ما حرَّم الله ، فالعين والأذن واللسان و اليد و الرجل بجانب الفم و الفرج ، وهذا جانب تربوى هام فى شخصية المسلم .

الصوم يكسب صاحبه فضيلة الحلم على الجاهلين ، فإذا خاصمه أحد أو سابه أو استثاره يكظم غيظه ويحلم ويقول إنى صائم إنى صائم . وما أحوج الداعين إلى الله الى هذا الخلق من ضبط النفس وسعة الصدر وعدم الغضب للنفس وفى هذا كسب لصالح الدعوة :{ ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } وفى هذا أيضاً توفير للوقت والجهد لصالح الدعوة والإنتاج بدلاً من تضييع الوقت و الجهد نتيجة الغضب فى جدال وخلافات وتحقيقات ومصالحات ويكون الضحية الدعوة والإنتاج و العمل لها ، وصدق الله العظيم :{ ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن} .

الصوم يربى فى قلب الصائم العطف على الفقير و المحتاج حينما يشعر بألم الجوع فيسارع الى مد يد العون له وجاءت زكاة الفطر لتؤكد هذا المعنى وتذكِّر به وهذا جانب تربوى هام ويلزم أن يسود بين المسلمين .

أثناء الصيام وخلو المعدة وتخفيفها من الطعام تسمو الروح ويصفو القلب وتزول الحجب وجواذب الأرض ، فيكون الصفاء والإشراق ويشع نور الحق فى القلوب فيضيئها وتتهيأ النفس للتزكية بالذكر و تلاوة القرآن والاستغفار و التوبة و الدعاء وتكون السعادة الحقة و المتعة الروحية و الشعور بالقرب من الله ويؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم 😦 إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ) متفق عليه .

الصوم وخاصة أيام الحر الشديد يهيىء المسلم للصبر و التحمل فى ميادين الجهاد و القتال ومجالدة الأعداء أو ما قد يمر به من ظروف قاسية فى مجالات الدعوة وميادينها ولا تكون جواذب الأرض ومطالب الجسد معوقاً له أو مقعدة عن مواصلة السير .

الصوم يعلِّم الصائم ما يفرح له المؤمن من توفيق الله وعونه لأداء العبادة والإخلاص لله حينما يذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح ، وإذا لقى ربه فرح بصومه :{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } وفى هذا تصحيح لتصورات خاطئة عند الكثير عندما يفرحون لأعراض الدنيا حينما تقبل عليهم ويحزنون عند افتقادها .

الصوم يدعم معنى الجماعة فى نفس الصائم ، فالمسلمون فى أنحاء العالم يصومون فى شهر واحد ويحسون أن ما فيه من خير بسبب الصوم ، وشهر رمضان يشاركهم فيه إخوانهم فى جميع أنحاء العالم على اختلاف أجناسهم وألوانهم والشعور بوحدة المسلمين أمر هام ولازم خاصة لأصحاب الدعوات .

ولما فى الصوم من خير سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام أيام غير الفريضة على مدار العام رغبنا فى ذلك من منطق حرصه صلى الله عليه وسلم وحبه الخير لنا .

وإذا كان من رحمة الله بنا وحبه الخير لنا يسر لنا الصلاة فى السفر و المرض و الحرب ولكنه خففها بعض الشيء علينا حتى لانحرم خيرها وزادها فإنه سبحانه من منطلق رحمته بنا وكى لا يشق علينا رخص لنا فى الصوم بالقضاء أو الفدية فى السفر أو المرض .

الصوم يربط المسلم بهذا الكون وما فيه من أقمار ونجوم حين يتحرى أول الشهر ويبحث عن الهلال فى أول رمضان وأول شوال ويتحرى مطالعه ويتعرف على هذا الجانب من خلق الله وما فيه من دلالة على عظمة الله وقدرته .

الصوم يعود المسلم على الاهتمام بالأوقات و الدقة فى المواعيد فكل صائم يتحرى وقت الإمساك ووقت الإفطار ويدقق فى ذلك حتى لا يبطل صومه بسبب الإهمال أو عدم الدقة و تكرار ذلك كل يوم لمدة شهر يكسب صاحبه هذه الخاصية وما أحوج الداعين الى الله إليها فى حياتهم بالدعوة ولقاءاتهم وعملهم بما لا يتسبب فى تعطيل أمر هام أو ضياع أوقات غيرهم دون فائدة .

الصوم مع ذلك كله له آثاره الصحية المباركة على الجسد وقد كشف الطب الحديث هذه الحقيقة أخيراً ولجأت بعض المصحات الى الصوم كوسيلة فعالة فى علاج كثير من الأمراض .

كل هذا الزاد وهذه الآثار التربوية فى الصوم وشهر رمضان سهلة المنال لمن صدق النية وصام كما يريد الله لنا أن نصوم وكما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .

أما مانراه اليوم عند كثير من المسلمين حيث تحول الشهر الصوم الى شهر التخمة والإكثار من ألوان الطعام بدلاً من الجوع والإقلال من الطعام ، ومن تحول شهر العبادة و القيام و القرآن الى شهر السمر و اللهو وأنه فرصة الفنانين و الفنانات ليقوموا بإحياء ليالى رمضان بفسادهم وإفسادهم ، وهذا الحشد من المنكرات أقول إن هذا كله تشويه لحقيقة رمضان وحال لا يرضى عنها الله ولا رسوله ويلزم العمل على تصحيحها .

وأخيراً أسأل الله أن ينفعنا بخير رمضان وزاد الصيام وما ذكرته ليس إحاطة بالموضوع ولكن بعض جوانبه نفعنا الله بها .

هذا المنشور نشر في بين يدى رمضان. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق